التحول الطاقي في السعودية- رؤية متوازنة نحو مستقبل مستدام

المؤلف: نجيب يماني08.27.2025
التحول الطاقي في السعودية- رؤية متوازنة نحو مستقبل مستدام

إن التحذير الذي أطلقه صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، بشأن تداعيات التحول في قطاع الطاقة، وذلك خلال الجلسة الافتتاحية لندوة «أوبك» الدولية التاسعة المنعقدة في فيينا، لم يكن مجرد تعبير عن مخاوف بشأن أي خلل محتمل في أسواق الطاقة التقليدية، على اعتبار أن المملكة العربية السعودية دولة محورية فيها، بل كانت رؤية سموه أعمق من ذلك بكثير، إذ استشرفت أفقًا إنسانيًا رحبًا، ينظر بشمولية تتجاوز المكاسب الآنية الزائلة والمصالح الضيقة، بما يصون التوازن الاقتصادي العالمي، ويضيق الفجوات الآخذة في الاتساع بين شعوب وأمم العالم، والتي بدورها فاقمت الأزمات، وعززت من حالة الاختلال المتفاقمة والواضحة في عالمنا المعاصر.

وهو ما أكد عليه الأمير عبد العزيز بن سلمان، من خلال إشارته الموجزة إلى معاناة ما يقارب ملياري إنسان حول العالم من نقص حاد في مصادر الطاقة، مما يعني بشكل بديهي عجزهم عن امتلاك أدنى مقومات الإنتاج التي تغطي ولو جزءًا يسيرًا من تكاليف المعيشة المتدنية، ولهذا كان تحذيره قاطعًا وواضحًا وملحًا بضرورة ألا يكون هذا التحول المتسارع نحو الطاقات البديلة على حساب النمو الاقتصادي وارتفاع تكاليف الحياة، وأن يكون «مسار التحول الطاقي واقعيًا وعمليًا».

هذان الركنان الأساسيان: «الواقعية» و«العملية» يستوجبان الإلمام الشامل بالمعطيات الراهنة، والتقييم الدقيق للإمكانات المتاحة، بما يتوافق مع الخطط الإنمائية التي تراعي أهمية النمو الاقتصادي، وفقًا للاستراتيجيات المتبعة في كل دولة، ويتبع ذلك بالتبعية عنصر «العملية» الذي يتجسد في تسخير الإمكانات المتاحة بتقدير حكيم، وصولًا إلى تحقيق النتائج المرجوة بتوقعات طموحة، ومعدلات مُرضية.

لقد قدمت المملكة العربية السعودية مثالًا يحتذى به، ونموذجًا عمليًا فريدًا في هذا المجال، فمع حفاظها على مركز الصدارة في إنتاج وتصدير الطاقة التقليدية، انطلقت بخطى ثابتة نحو التوسع المدروس في مسار الطاقة البديلة، بما في ذلك الطاقة الشمسية والطاقة النووية، وقد أعلن الأمير عبد العزيز بن سلمان عن هذه التوجهات الطموحة، خلال الدورة الثامنة والستين للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأوضح أن المملكة ستستهل مطلع عام 2025 بإضافة نوعية ومميزة في منظومة الطاقة، تمكنها من الحفاظ على موقعها الريادي المرموق في أسواق الطاقة العالمية، بما يتماشى مع مكانتها الاقتصادية الرفيعة، ورؤيتها المستقبلية الطموحة، وكانت هذه البشارة متوافقة مع «رؤية السعودية 2030»، واستشرافها العميق لمآلات العالم المستقبلية في مجال الطاقة، واستعدادًا مبكرًا ينفي المفاجآت المحتملة، ويقلل من فرص الخسائر الناجمة عن الاعتماد الكلي على الطاقة التقليدية، والتوجه العالمي المتزايد نحو الطاقة النظيفة، انسجامًا مع تحقيق التوازن البيئي، والحفاظ على كوكب الأرض.

وبغض النظر عن المآلات المستقبلية، فإن المزاوجة الدقيقة بين الطاقة التقليدية والتحول الطاقي تمثل معادلة بالغة الأهمية، تتطلب وعيًا عالميًا راسخًا، بحيث لا يتم التعامل مع أي منهما بشكل خاطئ يخرجهما عن الإطار الاقتصادي البحت، الذي يضمن أمن وسلامة ورخاء الشعوب، فكما طمأن الأمير عبد العزيز بن سلمان الحضور في مؤتمر الطاقة الذرية بأن المملكة «تتجه نحو الاستفادة المثلى من الطاقة النووية وتطبيقاتها الإشعاعية للأغراض السلمية نظرًا لأهمية دورها الحيوي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية»؛ فقد أكد أيضًا على «أن التحول في الطاقة لا يشكل تهديدًا لمنتجي النفط، بل يمثل مسارًا واعدًا للابتكار التكنولوجي»، وأن النفط والغاز سيظلان عنصرين أساسيين لا يمكن الاستغناء عنهما في ظل التوسع المطرد في مصادر الطاقة المتجددة والنووية والهيدروجين؛ بل وتجاوز ذلك بالإشارة إلى أن «ضمان قوة وكفاءة شبكات الطاقة يتطلب التأكد من وجود كميات كافية من السوائل البترولية اللازمة لتشغيلها بكفاءة عالية».

إن أكثر ما يدعو إلى الفخر والاعتزاز أن المملكة العربية السعودية، في ظل الرؤية الطموحة 2030، قادرة على استشراف جميع الاتجاهات، والتعامل مع الواقع بكل تعقيداته المتشابكة، واستقراء المستقبل بكل احتمالاته المتوقعة، ويتجلى ذلك بوضوح في كل ما يتعلق بعالم الطاقة المتجددة، والقدرة السعودية الفائقة على إدارة هذا الملف العالمي بالغ الأهمية، في ظل التقلبات المستمرة في الأسواق العالمية الناجمة عن الأحداث الطارئة والساخنة التي تتوالى بين الحين والآخر، ليبقى ميزان الضبط بيد المملكة من حيث الإمداد والضخ والتحكم في إيقاع السوق العالمي، مع المضي قدمًا في مسار التحول الطاقي الطموح، والاستفادة القصوى من جميع الموارد المتاحة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يحافظ على مكانة المملكة المرموقة في عالم الطاقة، ويعزز من موقعها الريادي العالمي، سواء من خلال الاكتشافات النفطية والغازية الجديدة، أو من خلال الدخول الفاعل في النادي النووي، وعالم الطاقة النظيفة، لتكون المحصلة في نهاية المطاف ريادة مستحقة لدولة عملت وما زالت تعمل بهمّة عالية ودؤوبة لضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية، ولعب دور جوهري ومحوري ورئيسي في منظومة الاقتصاد الدولي.

حفظ الله قيادتنا الرشيدة وسدد خطاها، وبارك لنا جميعًا في رجالها المقتدرين الأوفياء، لتحقيق مستقبل مشرق ومزدهر للوطن والأجيال القادمة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة